القرآن الكريم: بيان العربية في أكمل أطوارها

أما بعد : القرآن الكريم كتاب الله المعجِزٌ بلفظه ومعانيه إعجازاً لا نظير له، كيف لا؟ وهو الذي لا تنقضي عجائبه، ولا يخلق على كثرة الرد، فهو كلام أحكم الحاكمين ﱡ{سورة  فصلت}. وعلى الرغم من كل المتغيرات والاكتشافات المعاصرة إلا أن القرآن الكريم مازال في المنزلة الأسمى من الفصاحة والبيان، فهو يسجل في كل عصر- بل في كل وقت- وجوهاً إعجازية، وأسراراً وكنوزاً لغوية وبيانيةً لا تنضب ولا تنقطع، تزيد المؤمنين إيماناً ويقيناً، وتدحض شبه المغرضين.

إن الاهتمام بدراسة النص القرآني بالتركيز على قضاياه اللغوية والأدبية، بدأ مبكراً، وبه ظهر ما يميِّزُه عن غيره من النصوص البشرية، بوصفه دليلاً على النبوة والوحدانية، وحجةً ضد الطاعنين في مصدريته الإلهية، وميزته الإعجازية، وهو موضوع متجدد، يواكب التطور، ويربط الحديث بالقديم، كلما تكرر البحث فيه، ازداد بريقاً ولمعاناً، ورجع بكراً جديداً.

إنّ العربيّةَ فرعٌ أزهرَ في دوحة القرآن، وعليها اعتمد حتى استوى علماً يأخذ بسبب من علوم القرآن، ويمتزج بعلومه ويضيف إليها، فلم تنفصل العربيّة علما سويا وحده إلا بعد نشأة العلم القرآني الذي تتبعت بعض مناهجه، كالنقل، والاستدلال في الأصول، وإجازات الكتب، كذا السند والرواية. وأمام هذا الاتصال والتمازج القوي الذي تفردت به اللغة العربية التي  استمرت حتى هذا العصر متصلة بالكتاب المقدس الذي كانت لسانه على نحو لا نجده في الكتب المقدسة التي سبقت القرآن الكريم، وقد تفرعت علوم اللغة العربية إلى علوم كلها ترجع أو تمت بصلة وقربى لعلوم القرآن، فالنحو نشأ قرآنيا، وعلم أصول النحو نشأ مستمِداً قواعدَه وأصولَه من علم الفقه الإسلامي، وعلم الدلالة والمعاجم الذي ظهر مع كتب غريب القرآن، وعلوم إعجاز القرآن التي أسهمت في نشأة علوم البلاغة، بل إن فنون المحاورة والحِلَق والمناظرة أنتجت علمَ الجدل في النحو كما ذكره الأنباري في إغرابه، ولا ينكر ذو لب سليم دور أهل الإقراء في نشأة علم النحو.

ومن هنا انبثقت فكرة هذا المؤتمر لتشق مجرى جديداً لأبحاث لغة القرآن وبيانه، وتؤطّر لجهود تطبيقية عظيمة، ولتسهم في التجديد والتطوير.

لذا فالمطلوب من كل الباحثين والمتخصصين في علوم العربية وعلوم القرآن الكريم أن يطلقوا العنان لأفكارهم النيِّـرة، وعقولهم المضيئة، وخواطرهم السانحة، المستنبطة من آيات الذكر الحكيم، ليكشفوا عن كنوز الوحي الرباني، دلائل وأسرار هذا القرآن العظيم في البيان واللغة بجميع فروعهما، ومجالاتهما، وذلك ضمن ضوابطَ علميةٍ ومنهجيةٍ لأصول البحثِ العلمي.